دفـــــتر الجـــــامعه

ماذا يعترينا عندما نحب و نعشق قد نغفل عن أبسط الأمور ... وأحياناً نحول الأمور البسيطة إلى قضايا هامة ... قد يتفوه المحبوب بكلمة واحدة تمدنا بالحياة إلى ما لا نهاية الحياة وقد يقول كلمة واحدة لثقلها وهولها تكون أحد من وقع الحسام الذي يخترق قلوبنا .... وأحيانا ً قد نحلم بأشياء ما حدثت ولم تحدث وفي صميمنا وأعماقنا نعتقد بحدوثها مع أنها لم تكن إلا رسوم خيالية .
الآن أجلس وأمسك بدفترٍ سجلت فيه بعض المسائل الهامة التي تخص دراستي الجامعية ... أحاول التركيز في هذه المسائل لكن دون جدوى .... لا أستطيع قراءة سوى كلمات حبيبي وصوت أنفاسه ... وكأنَّ السطور التي كتبتها هي رواية من روايات العشق الأبدية .
مضت ساعات منذ أن بدأت بالقراءة ... وأنا لم أقرأ بعد سوى تفاصيل وجهه وعيونه وملامح تكوينه الخلاق ... وشرعت في تخيلاتي وتأملاتي فمرةً أرى نفسي أضمه إلى صدري ومرة أقبل جبينه البلوري ومرة أغفى على صدره ومرة أسرح شعره بيدي ولكن في كل مرة كنت أراه حبيباً ... لم يخطو على رحم الأرض ملاكاً له تأثير مثل تأثيره .

لقد تابعت تقليب الصفحات عسى أن أخرج من هذه الحالة الفوق العاطفية ... ولكن في كل الصفحات كانت تطاردني حواراتنا وهمساتنا ... دموعنا وصحكاتنا ... لمساتنا وقبلاتنا ... وفي نهاية كل صفحة كتبت أحبك ...يا لها من صفحات رائعة .

وكلما أقلب صفحة أقول لنفسي أيُّ ذكرى ستنتظرني في هذه الصفحة وأي ُّ ذكرى تركت في تلك ... قلت لنفسي هل صحيح أني أقرأ في دفتري الجامعي أم أنَّ هذا الدفتر هو دفتر مذكراتي .

ولكن أعلم أني لا أقوم بتسجيل ذكرياتي على الأوراق ولا على الأزهار ولا أكتبها بريشة من نور في أعلى السماء ... أعلم أنه لذكرياتي وقع خاص وطابع خاص ... فذكرياتي كموسم الحصاد ... مكانها الوحيد على ضفاف قلبي يحرسها عقلي وتكتبها روحي وتنطق بها بسمة عيوني ... فذكرياتي محروسة من أن يطلع عليها أحد غيري ... فأنا رجل شرقي أحب أن تبقى ذكرياتي عذراء لا يمسها أحد بسوء .

ولكن هذه الصور العابقة برائحة المحبة امتزجت في كل شيء ألمسه أو أنظر إليه أو أسمعه ... في أصوات العصافير في ضحكات الأطفال في شواطئ البحار في اتساع السماء في نقاء المياه وفي غروب الشمس وبزوغ القمر ... وحتى في كتبي ودفاتري الجامعية .... هذه الصور تأبى الرحيل وتأبى الزوال إنها تتجسد في كل شيء .
**********************************
وضعت دفتري الجامعي على الطاولة وقد انهكت من تعب الدراسة ... سمعت طرقات على باب غرفتي .. كان أحد الأصدقاء .. دعوته للدخول وجلس معي اختار مقعداً قريباً مني وقريبا ً من الطاولة وقريباً من الدفتر .
سألني ماذا تفعل ؟
أمسكت بدفتري وناولته إياه قائلاً أقرأ بعض المسائل التي قمت بتسجيلها على هذا الدفتر ... أمسك صديقي دفتري وأخذ يقلب صفحاته ... ومع صوت تقليب الصفحات كنت أعيش أسعد اللحظات .
ولكن نظرة واحدة إلى وجه صديقي قد فاجئتني .... لقد رأيته في حالة غريبة ... كان يبدو عليه الذهول وهو يتفحص أوراق الدفتر ... قام بتقليبه مرات عديدة .. وقد لاحظت أنه لم يقرأ منه كلمة واحدة ... تساءلت في نفسي ...لماذا لم يعطي هذه الأهمية للكلمات المكتوبة مع انَّ تلك الكلمات شغلتني ساعات طويلة ؟

صممتُ في نفسي ألا أقاطعهُ فبالتأكيد سيقول لي ملاحظاته في آخر الأمر ... ولكن ما فاجأني أكثر هو ابتسامته التي وجدتُ فيها شيءً من السخرية الغير مقصودة أعاد الدفتر ووضعه على الطاولة بهدوء تام .... ونظر في وجهي نظرة هادئة باسمة ...
وقال لي : إذاً أنك تقرأ بعض المسائل الهامة أجبته وقد أحنيت رأسي علامة الموافقة
تابع صديقي كلامه قائلاً : ولكن هل تعلم أنَّه في هذا الدفتر لم يكتب عليه ولا كلمة ولا حتى حرف واحد .
__________________
من يبيعني فكراً جميلاً بقنطار من الذهب ؟
ومن يأخذ قبضة من الجواهر بدقيقة محبة ؟
ومن يعطيني عيناً ترى الجمال ويأخذ كل خزائني؟

عندك حق احيانا نشعر ان احداثا ما تنظرنا وستحدث وما هى الا محض خيال

تسلم اخي الغالي

موضوع رائع